مَن أراد التورّع والتحرّي وإيثار الحلال، فينبغي له أن يتّصف
بالقناعة من الدنيا، وأن يرغب في التقلّل منها، وأن يجانب
الإسراف والتوسّع والميل إلى شهواتها، فقد قال السلف الصّالح:
الحلال لا يحتمل السّرف. ومن توسَّع وتبسّط في لذّات الدنيا احتاج،
لا محالة، إلى مباشرة أسباب لا تتمّ، بل لا تتأتّى، إلاّ باقتحام
شبهات، بل باقتحام حرمات كما يعرف ذلك من جرَّبه من أهل
الإنصاف والنّصيحة لأنفسهم، دون الحمقى المغرورين والأغبياء
الجاهلين، ومن الّذين ترى أحدهم يتناول الشّبهات والمحرّمات
ويدّعي لنفسه أنّه يتناول الحلال ويتحرّاه، ويُقيم لنفسه في ذلك
الحجج الساقطة، ويطلب لها التأويلات البعيدة والتّقوى والورع هو
الواجب والمتعيّن، فإذا لم يكن فلا أقل من الإنصاف والاعتراف،
وملازمة الانكسار والاستغفار، وقد قيل لبعض السلف الصالح
رحمهم الله: من أين تأكل؟ فقال: من حيث تأكلون، ولكن ليس من
يأكل وهو يبكي مثل مَن يأكل وهو يضحك.
والله سبحانه أعلم.