وفجأة يأتي الموت...
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لكل منا نظرته حول الحياة، ولكن. كيف نرى الموت ؟ أتينا جميعا إلى هذه الدنيا زائرين. بعضنا يحيا فيها حياة، وبعضنا الآخر يعيش فيها عيشة،
والفرق بينهما جداّ كبير؛ ففي الأولى الخلود وفي الثانية الفناء. وسواء كنا فاضلين أو رذيلين... زاهدين أو ماجنين... فقراء أو أغنياء، مهما كنا... كّلنا سنموت، كّلنا سنرجع إلى المكان الذي خلقنا منه "كلكم من آدم وآدم من تراب"، ففي البدء تراب وفي الختام تراب. وقد يطول سفرنا أو يقصر، ولكننا شئنا أم أبينا سنصل جميعا إلى المحطة النهائية، وهي عينها المحطة الانطلاقية لعالم جديد "الآخرة"، إذ أنّ الموت يربط بين أعظم متناقضين " فناء الدنيا وخلود الآخرة"، ولعله بعبارة فلسفية " نهاية البداية وبداية النهاية". وقد يلتبس على القارئ الكريم المعنى الذي قصدته من خلود الحياة وفناء العيشة لأنه يظن أنني بذلك أناقض قولي الثاني بفناء الحياة الدنيا وخلود الحياة الآخرة، إذ كيف أجزم بفناء الحياة الدنيا وهو أمر محسوم ثم أقول عن هذه الدنيا أنها مرّة خالدة ومرة أخرى فانية؟!!! لكنني أحبّ أن أقول أن الدنيا فانية لأن الله خلقها ليبتلينا فيها، ولذلك سمّيت دار ابتلاء، وأمّا الحقيقة التي فيها الخلود فهي الدار الآخرة. حينما نعيش هذه الحياة الدنيا، فنحن نعيش دون هدف واضح نهتم بتحقيقه، ونظل نعيش غير عابئين بما تهبنا الحياة وغير مكترثين بالكيفية السليمة التي تجعلنا نحقق أهدافنا إن كان لنا في الأصل هدف؛ لأن غايتنا هي أن نعيش وكفى. فجأة... يأتي الموت... يتخطف أحد المقربين منا... فتصغر في نظرنا الدنيا وما فيها ونكره ما حولنا، ونعتقد أن الحياة ستتوقف لمجرد موت أحدنا، أو أنها ستنتظر نهوضنا من أحزاننا ومآسينا... وقد يؤثر الموت فينا... ولكنه سيكون تأثيرا سلبيا يجعلنا نبتعد عن الأجواء الاجتماعية منزوين على جانب من جوانب العالم. وقد تنسينا بهرجة الدنيا وإغراءاتها موت قريبنا، فنعود إلى اللّعب واللّهو، ونظل نعيش تلك العيشة العشوائية التي لا هدف لها... ولعل الموت يأتي هذه المرة ليتخطّفنا نحن... حينها لا نكون مختلفين كثيرا عن الحيوانات؛ لأننا عشنا فقط لقضاء حاجاتنا المادية مثلها، ولكن الحيوانات أفقه منا؛ لأن حياتها كانت تسبيحا للبارئ سبحانه عزّ وجلّ فيكون مصيرها جميعا جنة الخلد، أما نحن فسنحمل كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وسنحاسب عليه حسابا عسيرا. هو ذا الموت... عملاق نسجت حوله الأجيال على مرّ العصور أساطير مخيفة... يظهر الآن في صورة جديدة... صورة الموت المرتبط بالحياة...أجل إنه هادم اللذات ولأنه كذلك فهو حقا مرتبط بالحياة الخالدة بالأعمال، بعيد كل البعد عن العيشة الفانية مهما امتلأت بالإغراءات والملذّات.وفجاءه ياتى الموت هو ذا الموت ... يخيف البشر حتى جعلهم ينسون ما بعده... ولكن الحياة أعظم منه... لأن الله عندما خلق الوجود دبّت فيه الحياة أولا ثم جاء بعدها الموت... وستكون بعده حياة أخرى...